كان العرب في الجاهلية - من جبروتهم وقسوتهم لا يورثون الضعفاء كالنساء والصبيان، ويجعلون الميراث للرجال الأقوياء لأنهم -بزعمهم- أهل الحرب والقتال والنهب والسلب، فأراد الرب الرحيم الحكيم أن يشرع لعباده شرعًا، يستوي فيه رجالهم ونساؤهم، وأقوياؤهم وضعفاؤهم. وقدم بين يدي ذلك أمرا مجملا لتتوطَّن على ذلك النفوس. فيأتي التفصيل بعد الإجمال، قد تشوفت له النفوس، وزالت الوحشة التي منشؤها العادات القبيحة، فقال: { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ } : أي: قسط وحصة { مِمَّا تَرَكَ } أي: خلف { الْوَالِدَان } أي: الأب والأم { وَالْأَقْرَبُونَ } عموم بعد خصوص { وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ } فكأنه قيل: هل ذلك النصيب راجع إلى العرف والعادة، وأن يرضخوا لهم ما يشاءون؟ أو شيئا مقدرا؟ فقال تعالى: { نَصِيبًا مَفْرُوضًا } : أي: قد قدره العليم الحكيم. وسيأتي -إن شاء الله- تقدير ذلك. وأيضا فهاهنا توهم آخر، لعل أحدا يتوهم أن النساء والولدان ليس لهم نصيب إلا من المال الكثير، فأزال ذلك بقوله: { مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ } فتبارك الله أحسن الحاكمين.